سورة طه - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


خير السحرة موسى عليه السلام في أن يبتدئ بالإلقاء أو يتأخر بعدهم، وروي أنهم كانوا سبعين ألف ساحر، وروي أنهم كانوا ثلاثين ألف ساحر، وروي أنهم كانوا خمسة عشر ألف، وروي أنهم كانوا تسعمائة، ثلاثمائة من الفيوم وثلاثمائة من الفرما وثلاثمائة من الإسكندرية وكان مع كل رجل منهم حبل وعصى قد استعمل فيها السحر، وقوله {فإذا} هي للمفاجأة كما تقول خرجت فإذا زيد، وهي التي تليها الأسماء، وقرأت فرقة {عِصيهم} بكسر العين، وقرأت فرقة {عُصيهم} بضمها، وقرأت فرقة {يُخيل} على بناء الفعل للمفعول فقوله {أنها} في موضع رفع على ما لم يسم فاعله، وقرأ الحسن والثقفي {تُخِيل} بضم التاء المنقوطة وكسر الياء وإسناد الفعل إلى الحبال والعصي، فقوله {أنها} مفعول من أجله والظاهر من الآيات والقصص في كتب المفسرين أن الحبال والعصي كانت تنتقل بحبل السحر وبدس الأجسام الثقيلة المياعة فيها وكان تحركها يشبه تحرك الذي له إرادة كالحيوان، وهو السعي فإنه لا يوصف بالسعي إلا من يمشي من الحيوان، وذهب قوم إلى أنها ما لم تكن تتحرك لكنهم سحروا أعين الناس وكان الناظر يخيل إليه أنها تتحرك وتنتقل ع وهذا يحتمل والله أعلم أي ذلك كان، وقوله تعالى: {فأوجس} عبارة عما يعتري نفس الإنسان إذا وقع ظنه في أمر على شيء يسوءه، وظاهر الأمر كله الصلاح، فهذا العمل من أفعال النفس يسمى الوجيس وعبر المفسرون عن أوجس بأضمر وهذه العبارة أعم من الوجيس بكثير. و{خفية} يصح أن يكون أصلها خوفة قبلت الواو ياء للتناسب، وخوف موسى عليه السلام إنما كان على الناس أن يضلوا لهول ما رأى والأول أصوب أنه أوجس على الجملة وبقي ينتظر الفرج، وقوله {أنت الأعلى} أي الغالب لمن ناوأك في هذا المقام، وقرأ جمهور القراء {تلقّفْ} بالجزم على جواب الأمر وبشد القاف، وقرأ ابن عامر وحده {تلقف} وهو في موضع الحال ويصح أن يكون من الملقى على اتساع ويصح أن يكون من المقلى وهي العصا وهذه حال، وإن كانت لم تقع بعد كقوله تعالى: {هدياً بالغ الكعبة} [المائدة: 95] وهذا كثير. وقرأ حفص عن عاصم {تلْقف} بسكون اللام وتخفيف القاف وأنث الفعل وهو مسند الى ما في اليمين من حيث كانت العصا مرادة بذلك، وروى البزي عن ابن كثير أنه كان يشدد التاء من {تلقف} كأنه أراد تتلقف فأدغم، وأنكر أبو علي هذه القراءة ع ويشبه أن قارئها إنما يلتزمها في الوصل حيث يستغنى عن جلب ألف، وقرأ الجمهور {كيدُ ساحر} برفع الكيد، وقرأ حمزة والكسائي {كيد السحر}، وقرأت فرقة {كيدَ} بالنصب {سحر} وهذا على أن {ما} كافة و{كيدَ} منصوب ب {صنعوا}، ورفع {كيدُ} على أن {ما} بمعنى الذي.
و {يفلح} معناه يبقى ويظفر ببغيته، وقالت فرقة معناه أن الساحر يقتل حيث ثقف ع وهذا جزاء من عدم الفلاح، وقرأت فرقة {أين أتى} والمعنى بهما متقارب، وروي من قصص هذه الآية أن فرعون، لعنه الله، جلس في علية له طولها ثمانون ذراعاً والناس تحته في بسيط وجاء سبعون ألف ساحر فألقوا من حبالهم وعصيهم ما فيه وقر ثلاثمائة بعير فهال الأمر.
ثم إن موسى عليه السلام ألقى عصاه من يده فاستحالت ثعباناً وجعلت تنمو حتى روي أنها عبرت النهر بذنبها، وقيل البحر، وفرعون في هذا يضحك ويرى أن الاستواء حاصل، ثم أقبلت تأكل الحبال والعصي حتى أفنتها ففرت نحو فرعون ففزع عند ذلك وقال يا موسى فمد موسى يده إليها فرجعت عصى كما كانت فنظر السحرة وعلموا الحق ورأوا الحبال والعصي فآمنوا رضي الله عنهم.


في خلال هذه الآيات تقدير وحذف يدل عليه ظاهر القول فالمقدر من ذلك هنا فألقى موسى عصاه فالتقمت كل ما جاؤوا به او نحو هذا، وروي أن السحرة لما رأوا العصا لا أثر فيها للسحر ثم رأت انقلابها حية وأكلها للحبال والعصي ثم رجوعها إلى حالها وعدم الحبال والعصي أيقنوا بنبوءة موسى وأن الأمر من عند الله تعالى وقدم {هارون} قبل {موسى} لتستوي رؤوس آي السور فنقل معنى السحرة وهذا كقوله عز وجل: {أزواجاً من نبات شتى} [طه: 53] تأخر شتى إنما هو لتستوي رؤوس الآي، وقرأ ابن كثير وحفص عن عاصم وورش عن نافع {آمنتم} على الخبر، وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر {ءامنتم} بهمزة بعدها مدة، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم {أأمنتم} بهمزتين، وقوله {قبل أن آذن لكم} مقاربة منه وبعض إذعان. وقوله {من خلاف} يريد قطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى، قوله {في جذوع النخل} اتساع من حيث هو مربوط في الجذع وليست على حد قولك ركبت على الفرس، وقوله {أينا} يريد نفسه ورب موسى عليه السلام، وقال الطبري يريد نفسه وموسى عليه السلام والأول أذهب مع مخرفة فرعون.


قال السحرة لفرعون لما تدعوهم {لن نؤثرك} أي نفضلك ونفضل السلامة منك على ما رأينا من حجة الله تعالى وآياته {البينات} وعلى {الذي فطرنا} هذا على قول جماعة أن الواو في قوله {والذي فطرنا} عاطفة، وقالت فرقة هي واو القسم، و{فطرنا} معناه خلقنا واخترعنا فافعل يا فرعون ما شئت وإنما قضاؤك في هذه الحياة الدنيا والآخرة من وراء ذلك لنا بالنعيم ولك بالعذاب وهؤلاء السحرة اختلف الناس هل نفذ فيهم وعيد فرعون فقالت طائفة صلبهم على الجذوع كما قال فأصبح القوم سحرة وأمسوا شهداء بلطف الله لهم وبرحمته، وقالت فرقة إن فرعون لم يفعل ذلك وقد كان الله تعالى وعد موسى أنه ومن معه الغالبون.
قال القاضي ابو محمد: وهذا كله محتمل وصلب السحرة وقطعهم لا يدفع في أن موسى ومن معه غلب إلا بظاهر العموم والانفصال عن ذلك بين وقوله: {وما أكرهتنا عليه من السحر} قالت فرقة أرادوا ما ضمهم اليه من معارضة موسى وحملهم عليه من ذلك، وقالت فرقة بل كان فرعون قديماً يأخذ ولدان الناس بتعليم السحر ويجبرهم على ذلك فأشار السحرة إلى ذلك. وقولهم {خير وأبقى} رد على قوله {أينا أشد عذاباً وأبقى} [طه: 71].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8